قرأت هذه الآية :(قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللَّهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصَارَكُمْ وَخَتَمَ عَلَى قُلُوبِكُمْ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِهِ).فلاحت لي فيها إشرة كدت أطيش منها .
و ذلك أنه إن كان عني بالآية نفس السمع والبصر ، فإن السمع آلة لإدراك المسموعات ، و البصر آلة لإدراك المبصرات ، فهمايعرضان ذلك على القلب ، فيتدبر ، و يعتبر .
فإذا عرضت المخلوقات على السمع والبصر ، أوصلا إلى القلب أخبارها من أنها تدل على الخالق ، و تحمل على طاعة الصانع، و تحذر من بطشه عند مخالفته .
و إن عنى معنى السمع و البصر ، فذلك يكونبذهولها عن حقائق ما أدركا ، شغلا بالهوى ، فيعاقب الإنسان بسلب معاني تلك الآلات ،فيرى و كأنه ما رأى ، و يسمع كأنه ما سمع ، و القلب ذاهل عما يتأدى به لا يدري مايراد به ، لا يؤثر عنده أنه يبلى ، و لا تنفعه موعظة تجلى ، و لا يدري أين هو ، ولا ما المراد منه ، و لا إلى أين يحمل ، و إنما يلاحظ بالطبع مصالح عاجلته و لابتفكر في خسران آجلته ، لا يتعبر برفيقه ، و لا يتعظ بصديقه ، و لا يتزود لطريقةكما قال الشاعر :
الناس في غفلة و الموت يوقظهم وما يفيقون حتى ينفذ العمر
يشيعون أهاليهم بجمعهم و ينظرون ما فيه قد قبروا
و يرجعون إلى أحلام غفلتهم كأنهم ما رأوا شيئاً و لا نظروا
و هذه حالةأكثر الناس ، فنعوذ بالله من سلب فوائد الآلات ، فإنها أقبح الحالات .
الامام ابن الجوزي رحمه الله
أكثر...